توجيهات النبي (ص) لأمراء البعوث الحربية ( حديث سليمان بن بُريدة عن أبيه ) فى صحيح مسلم أُنموذجاً

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

بکلية اللغة العربية بجرجا

المستخلص

وهذا البحث اقتضت طبيعته أن يأتي في مقدَّمة وتمهيد وثلاثة مباحث للنص المنوط به البحث ، يتبعها خاتمة ، وفهارس للمصادر والمراجع وأخرى للموضوعات المتعلقة بالبحث .
والناظر المتأمل في الحديث – الذى هو محل الدراسة – وفيما يندرج تحته من موضوعات يجده عامراً بمعان غزيرة شريفة يجب أن تتنبَّه الأُمَّة کُلُّ الأمة إليها للعمل بما حوته تلک الموضوعات ؛ حتى تنهض إلى مراقي الفلاح ، حيث إنَّ هذه المعاني يُلمس من خلالها سُمُوُّ الخُلُق النبوي الرفيع ، وما لِرُقىَّ البلاغة النبوية من دور بارز في الکشف عن منهج الإسلام في أخلاقيات الغزو في سبيل الله – U – ذلکم المنهج القائم على إرساء وغرس القيم العالية والأخلاق الفاضلة التي يجب أن يتحلَّى بها أتباع الإسلام ؛ نأياً عن الصفات المرذولة التي يتصف بها أعداء الإسلام أثناء اعتدائهم وإغارتهم بالحرب .
فقد کشف  (r) – في هذا الحديث – لأمراء جيوشه وجنودهم – أثناء الاستعداد للقاء عدوِّهم إذا ما اضطرُّوا اضطراراً لمجابهته – کشف لهم عما يجب عليهم أن يفعلوه ، وما ينبغي عليهم أن يترکوه مما لا يتوافق والسلوکيات الحميدة التي حث عليها الشرع الحنيف ، وذلک بأسلوب لم تغب عن سمائه روح البلاغة العالية وجوهرها ، متناولاً عدة قضايا متنوِّعة في عبارات سلسلة موجزة غزيرة المعنى ، فالحديث الشريف ، وإن کان واحداً
إلَّا أنَّ معانيه کثيرة ذات أفکار متنوِّعة ، کُلُّ فکرة منها جاءت في بنية ترکيبية مُحکمة متوازنة في البناء مع ما قبلها ، دون أن ينقصها شيء من الوضوح والفصاحة ، وليس في معناها أدنى خلل ؛ لأنَّ کُلَّ لفظة فى تلک البنية تؤدى دورها بأبلغ بيان .
وباستعراض سياق الحديث وسمت بنائه التکويني ونمطه الأسلوبي نلظ أنه تشکَّل من ثلاث فقرات .
الأولى : جاءت متضِّمنة وصية النبيِّ (r) لأمير الجيش
أو السَّرية بتقوى الله – U – ومن معه من المسلمين خيراً ، متبوعة تلک الوصية بالغزو فى سبيل الله إذا لم يکن من ذلک بُدٌّ ، واضطرَّ لملاقاة العدوِّ الذى يبغى الحرب ، ويُريد النيل من المسلمين ، ولا يکون ذلک الغزو لحميَّة ، أو لعصبية ، أو لدنيا يُصيبها الغازي ، ولا لنشر فساد ، ولا لانحلال خُلقي وأخلاقي ، ومن ثم فقد نهى النبيُّ – عليه السلام – الغازين – إذا ما وقعت المعرکة – عن الغلول ، والغدر ، والمُثْلة ، وقتل الضعفاء ، وکُلِّ من لا شأن له بالحرب کالمرأة والشيخ الفاني ، والوليد ، ذلک لبيان طبيعة المهمة التي شُرع من أجلها الغزو في سبيل الله ، إذ إنَّ هذه الأمور المنهىَّ عنها ليست من شيم الاسلام ومحاسنه ، ولا من شأن أهل الإيمان والتقوى ، ذلک على عکس ما شاع في نفوس أعداء الدين من أنَّ الحروب عبارة عن نهب ، وسلب ، وقتل ، وإغارة ، وظلم ، وبغى ، وعدوان ، وأخذ بالثأر ، وکبت الضعيف ، وتخريب العمران ، وهتک حُرمات النساء ، والقسوة بالضعاف ، والولائد والصبيان ، وإهلاک الحرث والنسل ، والعبث ، والفساد في الأرض .... الخ .
وقد جاء النهى عن الأمور الأربعة المذکورة بقوله :
" ولا تَغُلُّوا، ولا تَغدِرُوا، ولا تَمْثُلُوا ، ولا تَقتُلوا وَليدًا "
هکذا بإطلاق النهى عن الأمور الثلاثة الأولى ، للدلالة على أنَّ المقصود هو النهى عن وقوع الفعل من الفاعل ، بصرف النظر عمن وقع عليه الغلول ، أو عمَّن وقع به الغدر ، وعمَّن کان الشيء الممثَّل به ، وأما تقييد القتل بالوليد ، ذلک باعتباره معصوم الدم ولا يستحق القتل ، وبخاصة إذا کان لا يستطيع الدفاع عن نفسه ، ومن ثم کان قتله في الحرب من البشاعة بمکان ، وقد نهى – عليه السلام – عن هذه الأربع باعتبارها جرائم منکرة ، بلا استثناء ؛ تقرُّباً إلى الله –U– ومن ثم أوجبت البلاغة النبوية ضرورة الوصل بين تلک المنهيات بالواو من باب النهى عنها جميعها .
الفقرة الثانية : کشف فيها (r) للأمراء والجنود أن قتال الأعداء لا يکون إلا بعد استنفاذ جميع الوسائل السلمية ، وليس بعد استنفاذها إلَّا أنَّ هؤلاء المُحارَبين قوم مُفسدون ، ويُريدون الحرب ، ومن ثم فقد أرشد – عليه السلام – إلى دعوة المُحاربين أوَّلاً إلى الإسلام ، فإن هم أبوا فعلى الأمير أن يسألهم إعطاء الجزية مقابل حمايتهم مع البقاء على معتقدهم بلا ضرر ، فإن هم أبوا فعليه أن يستعين بالله – U– وأن يقوم بقتالهم.
وبقراءة هذه الفقرة نلحظ أنِّ سَمْتُها الأسلوبي جاء مشکلاً من عدة أوامر موجهة للأمير مطالباً بتنفيذها عند ملاقاة عدوِّه ( ادعهم إلى الإسلام ... سلهم الجزية ... استعن بالله وقتالهم ) وقد جاءت هذه الأوامر عبر عدًة أساليب شرطية غلبت على تراکيب تلک الفقرة ، مما يُکسب النص تماسکاً في دلالته ، وإحکام بنائه .
أمَّا الفقرة الثالثة : فقد کانت بمثابة التتمَّة للنص الشريف ، وأنها وقعت موقعا سديداً من الفقرة التي قبلها حيث أرشد الرسول (r) الأمير إلى التعامل مع أهل الحصون من المشرکين عند محاصرتهم ، إذ لم يکن من تلک المُحاصرة بُد ، ذلک بعد استنفاذ کُلَّ السُّبل التي تحول بين وقوعها من باب الحرص  على تطهير النفوس من رغبة الاندفاع القتال وسفلک الِّماء ، تلک الرَّغبة التي سعى الإسلام إلى عدم تحقيقها قدر الإمکان إلَّا إذا أصبح الإسلام أمراً ضرورياً لابد منه دفاعا عن دين الله ، وعن المسلمين ، وعن عقيدتهم ، وعن عِرْضهم ، وعن ديارهم ...
وکان مما أرشد إليه الأمير – حينئذٍ – الانتهاء عن انتهاک ذمة الله وذمة نبيه (r) وإخفار هاتين الذِّمتين إذا ما طالب أعداء الدين بنزولهم عليهما ، وأن على الأمير مواجهة ذلک الطلب بنزولهم على ذمَّة الأمير نفسه ، تجنُّباً للجور على ذمة الله – U – وذمَّة نبيِّه (r) ؛ حيث إنه لا أمان لأعداء الدين في تنفيذ العهد ، فقد يقومون بإخفاره ؛ لأنَّ من شيمتهم الغدر ، ونقض العهود ، ذلک النقض الذى هو من الشناعة بمکان ، ومن ثم فلا يجوز للأمير أن يکون سبباً في حدوثه ؛ لأنه من أعظم الذنوب التي يجب أن ينأى عنها کُلُّ مسلم يخاف الله – U – ويتقيه ، حرصاً على عدم المُخالفة الشرعية .
وأخيراً  : کان إرشاده إلى عدم الاستجابة للمحاصرين إذا ما رغبوا في النزول على حکم الله – U – خشية أن لا يُصيب الحکم المذکور فيهم ، مما قد يترتب عليه وقوع الأمير في الخطأ ؛ إذ إنه قد ينسب إلى الله – U – ما ليس له عن طريق اجتهاد الأمير في الحکم فليس کُلُّ مجتهداً مصيباً ، ومن ثم کان من الأنسب أن يُنزل هؤلاء على حُکمه هو ، لا على حکم الله – U–.
 وفي نهاية المطاف أودُّ الإشارة إلى أنَّ حديثنا ، وإن کان قد تناول عدة موضوعات إلُا أن کُلَّ موضوع يستلزم ما بعده ، واللاحق متمم للسابق ، ومن ثم کانت تلک الموضوعات يجمع بينها رابط دقيق بلا اختلال في هندسة بناء الحديث الذى جاء في ثلاث فقرات تکوَّنت منها بنيته في إطاره العام المتکامل المضمون.
والمتأمل في بنية کُلِّ فقرة يلحظ أنها جاءت مکوَّنة من عدة جمل سلسة موجزة يجمع بينها متانة السَّبک ، وحسن النسق ، وجمال الترتيب إلى أن صار الکلام – المکوَّن من تلک الجمل – في تناسقه وتتابع تراکيبه شيئاَ واحداُ ، وبناءً فنياً متکاملاً تتسلسل عباراته ؛ لتؤدِّي المعنى المراد منه في ترابط تام ، وتناسق عجيب کأنه حبَّات عقد متلألئة .
على أنَّ الرسول (r) في توجيهاته – التي هي محل الدراسة – کان يُفصح عمَّا يُريد إيصاله لأذهان المتلقِّين من معان بالأسلوب الخالي من المجاز ما أمکن ، ذلک حذراً من اختلاف الفهم عند تفسير ما يُلقى  على مسامع المُتلقٍّين وتأويله ، حث إنَّ الموقف الذى يتناسب والتوجيهات المذکورة هو موقف التوجيه المباشر المراد به الالتزام ؛ باعتباره موجَّهاً لعموم المسلمين على مرِّ الزمان والمکان .
وقد حوى النَّصُّ الشريف بالإضافة إلى ما تم تناوله کثيراً من السمات البيانية التي تعين على دقة الإفصاح ، وحسن البيان .
ومن بين تلک السمات :
الحذف ، والذکر ، والإطناب ، والتقديم ، والتأخير والإظهار ، والإضمار ، والتقييد ، والإطلاق ، والتعريف والتنکير ، والفصل والوصل ... إلى غير ذلک من السمات البيانية التي تتبدَّى لکل من  هو ذو وصلة وثيقة بالبيان العربي.  
This research required its nature to come in the introduction and preamble and three sections of the text entrusted to the research, followed by a conclusion, and indexes for sources and references and other topics related to the research.
And the contemplative observer of the hadith - which is the subject of study - and as it falls under him from topics he finds plentiful with abundant and honorable meanings, the nation must pay attention to the whole nation to it to work with what these subjects contain, so that it rises to the shines of the peasant, as these meanings touch through the highness of the noble prophetic creativity And the prominent role of prophetic rhetoric in revealing the method of Islam in the ethics of conquest in the way of God that is the approach based on establishing and cultivating high values ​​and virtuous morals that followers of Islam must be distinguished from, aside from the abject traits that characterize the enemies of Islam during A. Dysphoria and Agarthm war.
He revealed  - in this hadith - to the princes of his armies and their soldiers - while preparing to meet their enemy if they were compelled to confront him - he revealed to them what they must do, and what they should leave in a manner that does not conform to the good behaviors that the True Law urged, in a manner She did not lose sight of his high spirit and essence of eloquence, dealing with a variety of issues in the phrases of a series of abundant meanings, so the noble hadith, even if it is one
However, its meanings are many with diverse ideas, each idea of ​​which came in a structured structure that is balanced in building with what preceded it, without missing any of the clarity and eloquence, and there is no slightest meaning in it, because every word in that structure plays its role with the highest statement.
And by reviewing the context of the hadith, it marked its formative structure and stylistic style, we notice that it consisted of three paragraphs.
The first: it included the commandment of the Prophet for the Emir of the army
Or secrecy with the fear of God and whoever has good Muslims with him, followed by that will to conquer for the sake of God if it is not inevitable, and he was forced to meet the enemy who desires war, and wants to harm the Muslims, and that the invasion is not febrile, nervous, or inferior Infected by the invader, not to spread corruption, nor for moral and moral dissolution, then the Prophet - peace be upon him - forbade the invaders - if the battle took place - from the shadows, treachery, and ideals, and killing the weak, and everyone who has nothing to do with war such as women, the sheikh, the mortal, and the newborn, This is to show the nature of the mission for which the invasion was pursued in the way of God, as this is so The things that are forbidden are not from the characteristic and merits of Islam, nor the matter of the people of faith and piety, in contrast to what was common in the minds of the enemies of religion that wars are looting, looting, killing, raiding, injustice, prostitution, aggression, taking revenge, and suppressing the weak And sabotage of urbanization, the destruction of women's sanctities, cruelty with weakness, births and boys, the destruction of plowing and offspring, tampering, and corruption on the ground .... etc.
The prohibition on the four matters mentioned came by saying:
“Do not boil, do not treachery, do not act, and do not kill a newborn.”
Thus, by forbidding the first three things, to indicate that what is meant is forbidding the occurrence of the act from the perpetrator, regardless of who the misfortune occurred, or from whom the treachery occurred, and from what was the thing represented by it, and as for restricting the killing by the newborn, as it is a bloodless and not worthy Killing, especially if he cannot defend himself, and then his killing in the war was outrageous in a place, and he - peace be upon him - forbade these four as crimes that are reprehensible, without exception; approximation to God –– and then the rhetoric necessitated the necessity of connection Among these prohibitions in Wau is forbidden by all of them.
The second paragraph: It was revealed in it  to the princes and soldiers that fighting the enemies does not take place until after the exhaustion of all peaceful means, and not after their exhaustion except that these fighters are spoilers, and they want war, and then he guides - peace be upon him - to invite the warriors first to Islam, If they are parents, then the prince should ask them to give tribute in exchange for their protection while remaining on their beliefs without harm, so if they are parents, he should seek the help of God and fight them.
By reading this passage, we notice that its stylistic name came as a form of several orders addressed to the prince, demanding that they be implemented when meeting his enemy (invite them to Islam ... send them tribute ... seek help from God and fight them). These orders came through several police methods that overcome the structures of that paragraph, which The text gains coherence in its significance and its construction.
As for the third paragraph: It was like a complement to the noble text, and it signed a correct position from the paragraph before it, where the Apostle  instructed the prince to deal with the forts of the polytheists when besieging them, as it was not one of those besieged inevitably, after exhausting all the ways that It turned between its occurrence as a matter of keenness to purify the souls of the desire to rush the fighting and your shedding of water, that desire that Islam sought not to achieve as much as possible unless Islam became a necessary matter that must be in defense of the religion of God, and on behalf of Muslims, their faith, their display, and their homes ...
It was what the prince instructed - then - to end the violation of the protection of God and the protection of his Prophet  and to make these two offenses if the enemies of religion demanded their descendence on them, and that the prince must confront that request by descending them on the authority of the prince himself, in order to avoid unfairness under the protection of God and the edema His Prophet ; since there is no safety for the enemies of religion in the implementation of the covenant, then they may deny it, because those who have been accused of treachery, and the denunciation of the covenants, that denunciation which is from the place of atrocity, and therefore the prince may not be a reason for its occurrence, because it is one of the greatest sins That every Muslim who fears God must stay away from him and fear him, in order not to disagree To legitimacy.
Finally: His guidance was to not respond to the trapped if they wanted to descend on the rule of God for fear that the ruling mentioned in them would not be affected, which may result in the prince making a mistake, as it may be attributed to God what he does not have through The prince’s diligence in judgment is that not every diligent is correct, and therefore it would have been more appropriate for them to pass down on his own judgment, not on the rule of God
 
 In the end, I would like to point out that our conversation, even if it addressed several issues, except that each topic necessitates the following, and the later is complementary to the previous one, and then these topics are combined by a delicate link without disturbance in the architecture of the hadith’s construction, which came in three paragraphs of which its structure consisted of Within its overall guaranteed context.
And the one who contemplates the structure of each paragraph notes that it is made up of several concise smooth sentences that are combined by the strength of casting, good formatting, and the beauty of the arrangement until the speech - made up of those sentences - has become consistent and its structures follow one thing, and an integrated technical construction whose sequences are expressed to perform the desired meaning It is in perfect interconnectedness, and curious harmony as if it were shimmering nodules.
However, the Apostle  in his directives - which are the subject of study - was disclosing what he wanted to convey to the minds of the recipients of the meanings of the metaphorical method as possible, that is, cautioning about the difference in understanding when interpreting what is heard on the audience’s listeners and its interpretation, urging that the position that suits the directives The aforementioned is the direct orientation to which commitment is intended, as it is directed to the Muslim community over time and space.
The noble text, in addition to what has been dealt with, contains many graphic features that require accurate disclosure, and a good statement.
Among these features are:
Deletion, remembrance, redundancy, presentation, delay and rendering, pronouncement, restriction, release, definition and denial, separation and connection ... to other graphic features that appear to everyone who is closely related to the Arab statement.
 

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية